الدول العربية. ومن أهم النتائج التي توصل إليها البحث أنه يجب على القاضي بعث حكم من أهل الزوج وحكم

Transcription

1 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي د. محمد سليمان النور كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية - جامعة الشارقة الشارقة - اإلمارات العربية المتحدة تاريخ االستالم تاريخ القبول ملخص: يهدف هذا البحث إلى بيان مفهوم التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وحكمه وما يتعلق بالمحكمين من شروط وبيان مهمة الحكمين بالرجوع لكتب المذاهب الفقهية وعرض أقوال الفقهاء وأدلتهم ومناقشتها والترجيح بين األقوال المختلفة منها ثم بيان ما أخذ به قانون األحوال الشخصية اإلماراتي لسنة 2005 م ودراسته دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي مع اإلشارة إلى قوانين بعض الدول العربية. ومن أهم النتائج التي توصل إليها البحث أنه يجب على القاضي بعث حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة عند وقوع الشقاق بين الزوجين وعدم تبي نه المخطئ منهما وعلى الحكمين العمل أوال على اإلصالح بين الزوجين فإن لم يتمكنا من ذلك فر قا بينهما. رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 161 2

2 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي ( مقدمة ال تخفى العناية البالغة التي أولتها الشريعة اإلسالمية لألسرة والتي تتمثل في أمور كثيرة منها: الحض على تكوين األسرة بالدعوة إلى الزواج والترغيب فيه والوعد بإعانة المقبل عليه وكذلك وضعها لألسس المتينة لنجاح الحياة الزوجية واستمرارها من حسن االختيار والخطبة واشتراط الولي والشهود ووضوح الحقوق التي للزوجين إلى غير ذلك من األسس التي إذا روعيت عند الزواج ألدت في الغالب إلى نجاح الحياة الزوجية واستمرارها واستقرارها وأيضا وضعت الشريعة وسائل لعالج ما قد يحدث بين الزوجين أثناء الحياة الزوجية من مشكالت تعترض مسيرتها وتهدد بزوالها أو تؤدي إلى عدم تحقيقها لبعض أهدافها ومن هذه الوسائل المهمة التحكيم بين الزوجين الذي أمر به هللا - عز وجل في القرآن الكريم: }و إ ن خ ف ت م ش ق اق ب ي ن ه م ا ف اب ع ث وا ح ك م ا م ن أ ه ل ه و ح ك م ا م ن أ ه ل ه ا إ ن ي ر يد ا إ ص ال ح ا ي و ف ق هللا ب ي ن ه م ا إ ن هللا ك ان ع ل يم ا خ ب ير ا{ النساء: 35 ونظرا ألهمية التحكيم بين الزوجين وأثره في إنهاء الشقاق بينهما واختالف الفقهاء في بعض الجوانب األساسية فيه كمهمة الحكمين وبعض شروطهما رأيت أن أكتب عنه هذا البحث ألوضح فيه مفهوم التحكيم بين الزوجين حيث لم أجد تعريفا له وأهم الفروق بينه وبين التحكيم فيما عدا الشقاق بين الزوجين وكذلك أبي ن حكمه وشروط الحكمين ومهمتهما وذلك بالرجوع للكتب الفقهية لبيان أقوال الفقهاء وأدلتهم ومناقشتها والتوصل إلى القول الراجح منها مع بيان أحد التطبيقات المعاصرة له وقد اخترت لهذا التطبيق قانون األحوال الشخصية اإلماراتي لسنة 2005 م حيث أقوم بمقارنة ما أخذ به هذا القانون بالفقه اإلسالمي مع اإلشارة إلى قوانين بعض الدول العربية. وقد اشتمل البحث على ما يلي: 1. مقدمة 2. المبحث األول: مفهوم التحكيم بين الزوجين وحكمه 3. المبحث الثاني: عدد المحك مين وشروطهم 4. المبحث الثالث: مهمة الحكمين 5. الخاتمة 6. قائمة المصادر والمراجع المبحث األول مفهوم التحكيم بين الزوجين وحكمه سيتضمن هذا المبحث مطلبين: 1. المطلب األول: مفهوم التحكيم بين الزوجين 2. المطلب الثاني: حكم التحكيم بين الزوجين المطلب األول مفهوم التحكيم بين الزوجين ليتضح مفهوم التحكيم بين الزوجين سيتم أوال بيان معنى التحكيم لغة ثم بيان معناه عند الفقهاء ثم بيان موقف قانون األحوال الشخصية اإلماراتي من هذا المفهوم. 162 رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

3 د. محمد سليمان النور ( ) معنى التحكيم في اللغة للتحكيم في اللغة ثالثة معان: أحدها: أن يجعل الخصمان حكما يحكم بينهما )1(. الثاني: تفويض الحكم إلى شخص في أمر ما )2( قال الرازي - رحمه هللا -: وحكمه في ماله تحكيما إذا جعل إليه الحكم فيه )3(. ويالحظ اتفاق هذا المعنى مع المعنى السابق في أن كليهما متضمن تفويض الحكم إلى شخص ما ويختلفان في أن المعنى األول يقتضي وجود نزاع بين طرفين يحكمان طرفا ثالثا في الحكم فيه أما على المعنى الثاني فال يلزم وجود نزاع بين طرفين فمن له أمر ما يمكنه أن يجعل الحكم فيه لشخص آخر. الثالث: منع اإلنسان عما يريد )4(. التحكيم اصطالحا تعريف الحنفية: عرفه ابن نجيم )5( والحصكفي )6( - رحمهما هللا - بأنه: تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما. قال صاحب أنيس الفقهاء: فيكون الح ك م في حق ما بين الخصمين كالقاضي في حق كافة الناس )7(. وجاء تعريفه في المادة رقم )1790( من مجلة األحكام العدلية بأنه: عبارة عن اتخاذ الخصمين آخر حاكما برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما ويقال لذلك حكم بفتحتين ومحكم بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الكاف المفتوحة )8(. هذا ولم أقف على تعريف صريح للتحكيم عند غير الحنفية فيما تيسر لي االطالع عليه من مصادر إال أنه توجد أقوال لفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة تشير إلى أن معناه عندهم ال يخرج عن المعنى الذي ذكره الحنفية ومن هذه األقوال: في مذهب المالكية: قال ابن فرحون - رحمه هللا : التحكيم ومعناه أن الخصمين إذا حكما بينهما رجال وارتضياه ألن يحكم بينهما فإن ذلك جائز في األموال وما في معناها )9(. في مذهب الشافعية: قال النووي - رحمه هللا -: هل يجوز أن يحكم الخصمان رجال غير القاضي وهل لحكمه بينهما اعتبار قوالن: أظهرهما عند الجمهور نعم )10(. في مذهب الحنابلة: قال ابن قدامة - رحمه هللا -: وإذا تحاكم رجالن إلى رجل حكماه بينهما ورضياه وكان ممن يصلح للقضاء فحكم بينهما جاز ذلك ونفذ حكمه عليهما )11(. وتجدر اإلشارة إلى أن المعنى االصطالحي متفق مع المعنى األول من معاني التحكيم في اللغة وهو: أن يجعل الخصمان حكما يحكم بينهما. التحكيم بين الزوجين اصطالحا تمهيد: ما سبق من تعريف للتحكيم هو تعريف للتحكيم في غير الشقاق بين الزوجين ولم أقف فيما تيسر لي االطالع عليه من المصادر والمراجع الفقهية القديمة والحديثة على تعريف للتحكيم بين الزوجين مع مالحظة أن لفظ التحكيم ورد في كتب الفقهاء مطلقا أي لم يقيد بكونه بين الزوجين )12( وورد مقيدا بكونه بين الزوجين )13( ويظهر لي من خالل استعمال الفقهاء للمصطلحين أن لفظ التحكيم إذا ورد مطلقا يريدون به المعنى السابق ذكره وهو تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما وإذا أرادوا رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 163 2

4 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي ( به التحكيم في الشقاق بين الزوجين ينصون على تقييده بكونه بين الزوجين وحينئذ يكون له معنى يخصه وبما أن الباحث لم يقف على تعريف له فسيسعى الستخالص تعريف له من خالل أحكامه المذكورة في هذا البحث. وكذلك تجدر اإلشارة إلى فروق بين التحكيم في الشقاق بين الزوجين وما عداه من تحكيم من المستحسن بيان أهمها قبل بيان تعريف التحكيم بين الزوجين. أهم الفروق بين التحكيم في الشقاق بين الزوجين والتحكيم فيما عداه: بالمقارنة بين أحكام التحكيم في الشقاق بين الزوجين والتحكيم في غيره يمكن إيجاز أهم الفروق بين هذين النوعين من التحكيم فيما يلي: أوال: التحكيم في غير الشقاق بين الزوجين مهمته هي الفصل في النزاع بين المتخاصمين فالمحكم يقوم فيه بمهمة القاضي فيكون الح ك م في حق ما بين الخصمين كالقاضي في حق كافة الناس )14( وهو شعبة من القضاء )15( أما التحكيم في الشقاق بين الزوجين فمهمته األولى واألساسية التي عليه أن يبدأ بها أوال هي اإلصالح بين الزوجين وهذا باتفاق الفقهاء فإن لم يتمكن الحكمان من اإلصالح فلهما الحكم بالتفريق بدون توكيل من الزوجين في التفريق على أحد قولي الفقهاء وعلى القول اآلخر ليس لهما التفريق بين الزوجين إال إذا وكلهما الزوجان في ذلك كما سيأتي -. وهذا الفرق إنما يظهر في حالة عدم تمكن المحكم من اإلصالح بين المتخاصمين غير الزوجين أما إذا استطاع اإلصالح بينهما ففي هذه الحالة ال فرق بين نوعي التحكيم المشار إليهما. ثانيا: في التحكيم بين الزوجين اختلف الفقهاء هل القاضي هو الذي يبعث الحكمين أو الزوج والزوجة أو أولياء الزوجين كما سيأتي الحقا إن شاء هللا أما في التحكيم في غير الشقاق بين الزوجين فيتم اختيار الحكم من قبل الخصمين )16(. ثالثا: التحكيم في الشقاق بين الزوجين يقوم به حكمان وال يكتفى فيه بحكم واحد على رأي جمهور الفقهاء وهو القول الذي ترجح للباحث كما سيأتي - أما التحكيم في غير الشقاق بين الزوجين فيمكن فيه للخصمين االتفاق على حكم واحد يحكم بينهما )17(. رابعا: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يستحب أن يكون الحكمان في الشقاق بين الزوجين من أهل الزوجين: حكم من أهله وحكم من أهلها وذهب المالكية إلى وجوب ذلك إال إذا لم يكن لهما أهل أو كانوا ال تنطبق عليهم شروط الحكمين فيكونان من غيرهم كما سيأتي - أما في التحكيم في غير الشقاق بين الزوجين فال يشترط هذا الشرط ال وجوبا وال استحبابا )18(. تعريف الباحث للتحكيم بين الزوجين: يرى الباحث بناء على ما ترجح لديه في أحكام التحكيم بين الزوجين تعريف التحكيم بين الزوجين بأنه: بعث القاضي حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة عند حدوث الشقاق بينهما إذا لم يتبين له المخطئ منهما ليقوم الحكمان أوال باإلصالح بين الزوجين فإن لم يتمكنا يفرقان بينهما وهللا أعلم. موقف قانون األحوال الشخصية اإلماراتي من تعريف التحكيم بين الزوجين: لم يتطرق قانون األحوال الشخصية اإلماراتي وال مذكرته اإليضاحية لتعريف التحكيم بصفة عامة 164 رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

5 د. محمد سليمان النور ( ) أو التحكيم بين الزوجين بصفة خاصة وكذلك الشأن في المرجع الوحيد المتوفر حسب علمي في شرح ما يتعلق بالزواج والطالق من قانون األحوال الشخصية اإلماراتي وهو كتاب: )فقه الزواج والطالق وما عليه العمل في قانون األحوال الشخصية اإلماراتي( الذي هو كتاب دراسي مقرر على الطالب في كليتي الشريعة والقانون بجامعة الشارقة في مادة فقه الزواج والطالق ويتسم باالختصار نظرا لكونه يدرس في فصل دراسي واحد ويغطي موضوعات كثيرة لها جوانب وتفصيالت متعددة. ولعل السبب في عدم ذكر القانون والمراجع المشار إليها للتعريف أن المواد التي نظم بها القانون أحكام التحكيم بين الزوجين وهي المواد من )118( إلى )121( يتبين منها بوضوح مقصود واضع القانون من هذا التحكيم. وبالنظر إلى هذه المواد يمكن القول بأن معنى التحكيم بين الزوجين في القانون موافق في الجملة للتعريف الذي عر فه به الباحث. وما سار عليه قانون األحوال الشخصية اإلماراتي من عدم ذكر تعريف التحكيم بين الزوجين سار عليه قانون األحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم )59( بتاريخ 1953 م 9/ 7/ والمعدل بالقانون رقم )34( الصادر بتاريخ 1975 م 12/ 31/ )19( وقانون األحوال الشخصية األردني: القانون رقم )61( لسنة 1976 م )20( وقانون األحوال الشخصية الكويتي: القانون رقم )51( لسنة 1984 م )21( ومدونة األحوال الشخصية المغربية المعدلة سنة 1993 م )22( وقانون األحوال الشخصية السوداني للمسلمين لسنة 1991 م )قانون رقم 42 لسنة 1991 م( )23(. المطلب الثاني حكم التحكيم بين الزوجين التحكيم بين الزوجين أمر هللا - عز وجل به في القرآن الكريم بقوله: }و إ ن خ ف ت م ش ق اق ب ي ن ه م ا ف اب ع ث وا ح ك م ا م ن أ ه ل ه و ح ك م ا م ن أ ه ل ه ا إ ن ي ر يد ا إ ص ال ح ا ي و ف ق هللا ب ي ن ه م ا إ ن هللا ك ان ع ل يم ا خ ب ير ا{ النساء: 35. وقد اختلف الفقهاء في حكمه على قولين: ذهب المالكية )24( وهو الصحيح في مذهب الشافعية )25( إلى وجوبه على القاضي عند حصول الحال التي يبعث فيها الحكمان - وسيأتي بيانها إن شاء هللا ويرى ابن العربي )26( رحمه هللا أن على الحاكم بعث الحكمين إذا علم بالشقاق بين الزوجين حتى لو لم يترافعا إليه ألن ما يضيع من حقوق هللا أثناء ما ينتظر رفعهما إليه ال جبر له. والدليل على وجوب بعث الحكمين ظاهر اآلية الكريمة )27( وهي قوله تعالى: }و إ ن خ ف ت م ش ق اق ب ي ن ه م ا ف اب ع ث وا ح ك م ا م ن أ ه ل ه و ح ك م ا م ن أ ه ل ه ا إ ن ي ر يد ا إ ص ال ح ا ي و ف ق هللا ب ي ن ه م ا إ ن هللا ك ان ع ل يم ا خ ب ير ا{ النساء: 35. وذهب الروياني من الشافعية )28( - رحمه هللا إلى أنه مستحب ولم أقف على دليل لقوله هذا فيما تيسر لي االطالع عليه من كتب الشافعية. والذي يظهر أنه واجب ألمر هللا عز وجل به واألمر يفيد الوجوب ما لم تصرفه قرينة عن الوجوب ولم أقف على قرينة صارفة له وهللا أعلم. ويتعلق بحكم التحكيم بين الزوجين عدة أمور فيما يلي بيانها: )31( أوال: اختلف الفقهاء فيمن يجب عليه بعث الحكمين فذهب الحنفية )29( والمالكية )30( والشافعية والحنابلة )32( إلى أن القاضي هو الذي يبعث الحكمين وقال السدي - رحمه هللا - الذي يبعث رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 165 2

6 166 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي ( الحكمين الزوجان )33( وذكر القرطبي - رحمه هللا - قوال ثالثا ولم ينسبه ألحد بعينه: إن الذي يبعث الحكمين أولياء الزوجين حيث قال: الجمهور من العلماء على أن المخاطب بقوله: )وإن خفتم( الحكام واألمراء... وقيل الخطاب لألولياء يقول إن خفتم أي علمتم خالفا بين الزوجين ف اب ع ث وا ح ك م ا م ن أ ه ل ه و ح ك م ا م ن أ ه ل ه ا )34(. الترجيح: ولعل الراجح أن الذي يبعثهما هو القاضي إذ الظاهر أن الخطاب في اآلية موجه للحكام وقد قال الجصاص - رحمه هللا - في بيان هذا: قوله )و الال ت ي ت خ اف ون ن ش وز ه ن ) هو خطاب لألزواج لما في نسق اآلية من الداللة عليه وهو قوله )و اه ج ر وه ن ف ي ال م ض اج ع (. وقوله )و إ ن خ ف ت م ش ق اق ب ي ن ه م ا( األولى أن يكون خطابا للحاكم الناظر بين الخصمين والمانع من التعدي والظلم وذلك ألنه قد بي ن أمر الزوج وأمره بوعظها وتخويفها باهلل ثم بهجرانها في المضجع إن لم تنزجر ثم بضربها إن أقامت على نشوزها ثم لم يجعل بعد الضرب للزوج إال المحاكمة إلى من ينصف المظلوم منهما من الظالم ويتوجه حكمه عليهما )35( وهللا أعلم. ثانيا: أما متى ي بعث الحكمان فعند الحنفية )36( أن الزوج إذا عالج نشوز زوجته بالوعظ والهجر والضرب ولم ينفع ذلك يرفع األمر للقاضي ليقوم ببعث الحكمين. وذهب المالكية )37( والشافعية )38( والحنابلة )39( إلى أن الشقاق )40( إذا وقع بين الزوجين وادعى كل واحد منهما ظلم صاحبه ولم يستطع القاضي تبي ن المخطئ منهما فإنه يبعث الحكمين مع مالحظة أنهم قالوا قبل بعث الحكمين يسكنهما القاضي جنب ثقة يتعرف حالهما وي علم القاضي بالظالم منهما. ويرى الدكتور محمود بن مجيد الكبيسي أن أمرا كهذا لم يعد ممكنا اآلن بحكم اتساع المدن وكثرة الحوادث وصعوبة إسكانهما أو إسكان عدل جنبهما )41(. والباحث يتفق معه فيما ذهب إليه لسالمة تعليله. ثالثا: حكمة مشروعية التحكيم بين الزوجين تظهر جلية من خالل هدف التحكيم األساسي الذي يجب أن يبدأ به الحكمان وهو اإلصالح بين الزوجين حتى تستمر حياتهما الزوجية في جو من الوفاق والمودة والرحمة فهو بهذا وسيلة مهمة من وسائل الشريعة لتحقيق مقصد مهم من مقاصدها وهو المحافظة على الحياة الزوجية واستمرارها واستقرارها. وأيضا تظهر الحكمة من تشريعه في إنهائه الحياة الزوجية إذا لم تجد فيها محاولة اإلصالح إذ الحكمان لهما التفريق إذا لم يستطيعا الصلح بدون توكيل من الزوجين على قول للفقهاء أو بتوكل من الزوجين في ذلك على القول اآلخر فهو بهذا وسيلة لتخليص الزوجين واألبناء إن وجدوا من ضرر االستمرار في حياة زوجية يسودها النزاع والشقاق وميؤوس من إصالحها وهللا أعلم. موقف قانون األحوال الشخصية اإلماراتي من التحكيم بين الزوجين يتبين موقف القانون من المادة )118( وهذا نصها: 1. إذا لم يثبت الضرر واستمر الشقاق بين الزوجين وتعذر على لجنة التوجيه األسري والقاضي اإلصالح بينهما عين القاضي بحكم حكمين من أهليهما إن أمكن بعد أن يكلف كال من الزوجين تسمية حكم من أهله قدر اإلمكان في الجلسة التالية على األكثر وإال فيمن يتوسم فيه الخبرة والقدرة على اإلصالح إذا تقاعس أحد الزوجين عن تسمية حكمه أو تخلف عن حضور هذه الجلسة ويكون هذا الحكم غير قابل للطعن فيه. 2. ويجب أن يشتمل حكم تعيين حكمين على تاريخ بدء المهمة وانتهائها على أال تجاوز مدة رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

7 د. محمد سليمان النور ( ) تسعين يوما ويجوز مدها بقرار من المحكمة وتعلن المحكمة الحكمين والخصوم بحكم تعيين الحكمين وعليها تحليف كل من الحكمين اليمين بأن يقوم بمهمته بعدل وأمانة. وبالنظر في هذا النص يتبين ما يلي: أوال: ألزم القانون اإلماراتي بالتحكيم بين بالزوجين عند حصول ما يقتضيه وهو بهذا أخذ بقول جمهور الفقهاء القائل بوجوب التحكيم بين الزوجين وهو القول الذي ترجح للباحث وقد أخذت بهذا قوانين األحوال الشخصية في بالد عربية عديدة ومن هذه القوانين: قانون األحوال الشخصية المصري: القانون رقم )25( لسنة 1929 م المادة رقم )6( وهي أساس التفريق بالضرر وسوء العشرة باقية على حالها وحكمها قائم بال تعديل ونصها: إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما ال يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن اإلصالح بينهما فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضي حكمين وقضى بالوجه المبين بالمواد من )42(. قانون األحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم )59( بتاريخ 9/ 7/ 1953 م والمعدل بالقانون رقم )34( الصادر بتاريخ 1975 م 12/ 31/ المادة )112(: 1 - إذا ادعى أحد الزوجين إلضرار اآلخر به بما ال يستطاع معه دوام العشرة يجوز له أن يطلب من القاضي التفريق. - 2 إذا ثبت اإلضرار وعجز القاضي عن اإلصالح فرق بينهما ويعتبر هذا التطليق طلقة بائنة. - 3 إذا لم يثبت الضرر يؤجل القاضي المحاكمة مدة ال تقل عن شهر أمال بالمصالحة فإن أصر المدعي على الشكوى ولم يتم الصلح عين القاضي حكمين من أهل الزوجين وإال ممن يرى القاضي فيه قدرة على اإلصالح بينهما وحلفهما يمينا على أن يقوما بمهمتهما بعدل وأمانة )43(. قانون األحوال الشخصية األردني: القانون رقم )61( لسنة 1976 م في المادة )132( ونصها: أ - إذا كان طلب التفريق من الزوجة وأثبتت إضرار الزوج بها بذل القاضي جهده في اإلصالح بينهما فإذا لم يمكن اإلصالح أنذر الزوج بأن يصلح حاله معها وأجل الدعوى مدة ال تقل عن شهر فإذا لم يتم اإلصالح بينهما أحال األمر إلى الحكمين. ب - إذا كان المدعي هو الزوج وأثبت وجود النزاع والشقاق بذل القاضي جهده في اإلصالح بينهما فإذا لم يمكن اإلصالح أجل القاضي دعواه مدة ال تقل عن شهر أمال بالمصالحة وبعد انتهاء األجل إذا أصر على دعواه ولم يتم الصلح أحال القاضي األمر إلى الحكمين )44(. قانون األحوال الشخصية الكويتي: القانون رقم )51( لسنة 1984 م في المادة )127( ونصها: على المحكمة أن تبذل وسعها لإلصالح بين الزوجين فإذا تعذر عينت حكمين للتوفيق أو التفريق )45(. مدونة األحوال الشخصية المغربية الصادرة في عامي 1957 م 1956 والمعدلة سنة 1993 م في الفصل السادس والخمسين: 1 - إذا ادعت الزوجة على زوجها إضراره بها بأي نوع من أنواع الضرر الذي ال يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما وثبت ما ادعته وعجز القاضي عن اإلصالح بينهما طلقها عليه. - 2 إذا رفض طلب التطليق وتكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضي حكمين للسداد بينهما )46(. رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 167 2

8 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي ( قانون األحوال الشخصية السوداني للمسلمين لسنة 1991 م )قانون رقم 42 لسنة 1991 م( المادة )163( الفقرة رقم )1(: إذا لم يثبت الضرر واستمر الشقاق بين الزوجين وتعذر اإلصالح وعادت الزوجة بعد ثالثة أشهر لطلب التطليق فيعين القاضي حكمين من أهلهما إن أمكن.. )47(. ثانيا: أخذ القانون بقول جمهور الفقهاء أن القاضي هو الذي يبعث الحكمين وهو ما ترجح للباحث وهذا ما أخذت به القوانين العربية المذكورة في البند السابق: )أوال( في المواد السابق ذكرها. ثالثا: أخذ القانون اإلماراتي بقول المالكية والشافعية والحنابلة في أن الحكمين إنما ي بعثان عند عدم تبي ن المخطئ من الزوجين مع مالحظة أن هذا القانون جعل بعث الحكمين بعد اليأس من اإلصالح بين الزوجين من ق بل القاضي ولجنة اإلصالح األسري وهي لجنة أمر القانون في المادة )16( منه بتشكيلها وفي الفقرة األولى من هذه المادة: ال تقبل الدعوى أمام المحكمة في مسائل األحوال الشخصية إال بعد عرضها على لجنة التوجيه األسري ويستثنى من ذلك مسائل الوصية واإلرث.... وما ذهب إليه القانون من محاولة الصلح من القاضي قبل بعث الحكمين مأخوذ من مذهب المالكية )48(. ويالحظ أن ما ذهب إليه القانون اإلماراتي من أن الحكمين إنما يبعثان عند عدم تبي ن المخطئ من الزوجين موافق لما أخذ به قانون األحوال الشخصية المصري: القانون رقم )25( لسنة 1929 م المادة رقم )6( وقانون األحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم )59( بتاريخ 1953 م 9/ 7/ والمعدل بالقانون رقم )34( الصادر بتاريخ 1975 م 12/ 31/ المادة )112( ومدونة األحوال الشخصية المغربية المعدلة سنة 1993 م في الفصل السادس والخمسين الفقرة )2( وقانون األحوال الشخصية السوداني للمسلمين لسنة 1991 م )قانون رقم 42 لسنة 1991 م( المادة )163( - وقد سبق ذكر نصوص هذه المواد في البند )أوال( - إال أن القانون اإلماراتي لم يشترط لبعث الحكمين تكرر الشكوى وهو في هذا موافق للقانون الكويتي )49( ومخالف لما أخذ به القانون المصري والسوري واألردني والمغربي والسوداني في المواد السابق ذكرها في البند )أوال(. ويرى أحمد الغندور أنه ال يشترط في بعث الحكمين تكرر الشكوى فإنه شرط ليس في كتاب هللا فال وجه لتغيير نظام التحكيم به قال تعالى: }و إ ن خ ف ت م ش ق اق ب ي ن ه م ا ف اب ع ث وا ح ك م ا م ن أ ه ل ه و ح ك م ا م ن أ ه ل ه ا إ ن ي ر يد ا إ ص ال ح ا ي و ف ق هللا ب ي ن ه م ا إ ن هللا ك ان ع ل يم ا خ ب ير ا{ النساء: 35 وفي بعث الحكمين ابتداء اختصار لإلجراءات وهو ال يضيع شيئا الزما للعدالة )50(. 168 رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

9 د. محمد سليمان النور ( ) المبحث الثاني عدد المحك مين وشروطهم يشتمل هذا المبحث على مطلبين: 1. المطلب األول: عدد المحك مين 2. المطلب الثاني: شروط الحكمين المطلب األول عدد المحك مين ذهب الحنفية )51( والشافعية )52( والحنابلة )53( إلى أن التحكيم في الشقاق بين الزوجين يبعث له حكمان: أحدهما من أهل الزوج واآلخر من أهل الزوجة وال ي كتفى فيه بحكم بواحد عمال باآلية الكريمة: }و إ ن خ ف ت م ش ق اق ب ي ن ه م ا ف اب ع ث وا ح ك م ا م ن أ ه ل ه و ح ك م ا م ن أ ه ل ه ا إ ن ي ر يد ا إ ص ال ح ا ي و ف ق هللا ب ي ن ه م ا إ ن هللا ك ان ع ل يم ا خ ب ير ا{ النساء: 35 وألنه لو كان الحكم واحدا فإن كال من الزوجين يتهمه وال يفشي إليه سره )54(. وذهب المالكية إلى التفصيل اآلتي في عدد المحكمين في الشقاق بين الزوجين: للزوجين أن يقيما حاكما واحدا يحكم بينهما )55( وقد قال اإلمام مالك في تعليل هذا: إنما هي أمورهما التي لو أخذاها دون من يحكم فيها كان ذلك لهما وكذلك هي إلى من جعالها إليه إذا كان يستأهل أن يكون ممن يجعل ذلك إليه )56(. واتفق المالكية على أنه ال يجزئ أن يبعث الحاكم أو أولياء الزوجين إذا كانا محجورين حكما واحدا إذا كان هذا الحكم من أقارب الزوجين واختلفوا في هل للحاكم وأولياء الزوجين إذا كانا محجورين االكتفاء بحكم واحد من غير أقارب الزوجين أو ال بد من بعث حكمين اختلفوا في ذلك على قولين: فذهب اللخمي - رحمه هللا - إلى أنه يجوز للسلطان وللوليين أن يقيما رجال أجنبيا واحدا يحكم بين الزوجين حيث كان أجنبيا منها ألنه إنما جعل رجالن إذا كانا من األهل ألن كل واحد يستنبط علم من هو من ق ب له فإذا خرجا عن أن يكونا من األهل أجزأ واحد وقول اللخمي هو أظهر القولين. وذهب الباجي - رحمه هللا إلى أنه ال يجوز ذلك للحاكم وال لولي الزوجين المحجورين ألن في ذلك إسقاطا لحق الزوجين )57(. مع مالحظة أن ابن العربي - رحمه هللا يرى جواز بعث حكم واحد مطلقا ولم يفص ل التفصيل السابق فقد قال: يجزئ إرسال الواحد ألن هللا سبحانه حكم في الزنا بأربعة شهود ثم قد أرسل النبي - صلى هللا عليه وسلم - إلى المرأة الزانية أنيسا وقال له إن اعترفت فارجمها )58(. الترجيح: والذي يظهر للباحث عدم االكتفاء بمحكم واحد ألن هللا سبحانه تعالى أمر ببعث حكمين وبي ن كون أحدهما من أهل الزوج واآلخر من أهل الزوجة مما يدل بوضوح على إرادة كونهما اثنين وألن المقصد من بعثهما اإلصالح بين الزوجين وإمكانية تحقق هذا اإلصالح من حكمين أحدهما من أهل الزوج واآلخر من أهل الزوجة أكبر من حصوله من حكم واحد ألنه إن كان من أهل الزوجة فهو ال ينال ثقة الزوج وقد يظن به المحاباة لها وكذلك الحال إن كان من أهل الزوج ال تثق به الزوجة وقد تظن محاباته للزوج فيضعف ذلك من قدرته على اإلصالح بينهما. وأما ما استدل به ابن العربي - رحمه هللا فهو قياس مع الفارق الظاهر بين التحكيم بين الزوجين واالعتراف بما رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 169 2

10 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي ( يوجب الحد أمام وكيل الحاكم فالحاكم وحده يسمع إقرار المقر ويعمل بمقتضاه ولم يدل دليل على أنه يشترط أن يكون معه حكم آخر وكذلك وكيله أما التحكيم بين الزوجين فقد أمر القرآن الكريم أن يكون من حكمين وهللا أعلم. موقف قانون األحوال الشخصية اإلماراتي من عدد المحكمين ألزم القانون اإلماراتي أن يكون التحكيم بين الزوجين من حكمين اثنين فقد جاء في المادة )118( الفقرة رقم )1(: إذا لم يثبت الضرر واستمر الشقاق بين الزوجين وتعذر على لجنة التوجيه األسري والقاضي اإلصالح بينهما عين القاضي بحكم حكمين من أهليهما إن أمكن بعد أن يكلف كال من الزوجين تسمية حكم من أهله قدر اإلمكان في الجلسة التالية على األكثر... والقانون اإلماراتي في هذا موافق لقول جمهور الفقهاء وما ترجح للباحث كما أنه موافق في ذلك للقوانين العربية اآلتية: قانون األحوال الشخصية المصري: القانون رقم )25( لسنة 1929 م المادة رقم )6(. قانون األحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم )59( بتاريخ 1953 م 9/ 7/ والمعدل بالقانون رقم )34( الصادر بتاريخ 1975 م 12/ 31/ المادة )112(. قانون األحوال الشخصية األردني: القانون رقم )61( لسنة 1976 م في المادة )132(. قانون األحوال الشخصية الكويتي: القانون رقم )51( لسنة 1984 م في المادة )127(. مدونة األحوال الشخصية المغربية الصادرة في عامي 1957 م 1956 والمعدلة سنة 1993 م في الفصل السادس والخمسين. قانون األحوال الشخصية السوداني للمسلمين لسنة 1991 م )قانون رقم 42 لسنة 1991 م( المادة.)163( وقد سبق ذكر نصوص هذه المواد عند الكالم عن موقف قانون األحوال الشخصية اإلماراتي من التحكيم بين الزوجين. المطلب الثاني شروط الحكمين تمهيد: تجدر اإلشارة إلى أني لم أقف في كتب الحنفية التي تيسر لي االطالع عليها على كالم عن صفات الحكمين في الشقاق بين الزوجين إال كون أحدهما من أهل الزوج واآلخر من أهل الزوجة استحبابا. وقد فصل الحنفية شروط الحكم عند الكالم عن التحكيم من غير تقييد له بالتحكيم بين الزوجين فيظهر أن هذه الشروط تنطبق على الحكمين في الشقاق بين الزوجين أيضا حيث إن الحكمين عند الحنفية )59( لهما الحكم بالتفريق بين الزوجين إذا عجزا عن اإلصالح بتفويض من الزوجين في ذلك لذا لم يذكروا هذه الشروط عند الكالم عن التحكيم بين الزوجين واكتفوا بذكر ما يشترط زيادة عليها في الحكمين بين الزوجين وهللا أعلم. كذلك تجدر اإلشارة إلى أنه سيتم إغفال الكالم عن شرط الحرية لعدم وجود الرق في العصر الحاضر. الشرط األول: كونهما من أهل الزوجين 170 رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

11 د. محمد سليمان النور ( ) 1. ذهب المالكية )60( إلى أنه يشترط وجوبا أن يكون الحكمان من أهل الزوجين حكم من أهله وحكم من أهلها لظاهر اآلية الكريمة: }ف اب ع ث وا ح ك م ا م ن أ ه ل ه و ح ك م ا م ن أ ه ل ه ا{ النساء: 35 فإن لم يكن لهما أو ألحدهما أهل أو وجد أهل ال تنطبق شروط الحكمين عليهم ي ختار الحكمان من المسلمين ويستحب أن يكونوا من جيرانهما فإن لم يوجد فمن غيرهم. 2. وذهب الحنفية )61( والشافعية )62( والحنابلة )63( إلى أنه يستحب أن يكون الحكمان من أهلهما وإن كانا من غيرهم جاز ألنهما في أحد القولين وكيالن وفي اآلخر حاكمان وفي الجميع يجوز أن يكونا من غير أهلهما فكان األمر بذلك إرشادا واستحبابا )64(. الترجيح: والذي يظهر للباحث أن الحكمين يجب أن يكونا من أهل الزوجين إن كان ذلك ممكنا عمال بظاهر اآلية الكريمة وتحقيقا لحكمة كونهما من أهلهما ومن أقوال العلماء في هذه الحكمة قول ابن العربي رحمه هللا -: والحكمة في ذلك أن األهل أعرف بأحوال الزوجين وأقرب إلى أن يرجع الزوجان إليهما فأحكم هللا سبحانه األمر بأهله )65( وقال ابن الهمام رحمه هللا: ألنهما أخبر بباطن أمرهما وأشفق عليهما )66( وقال األلوسي: وخص األهل ألنهم أطلب للصالح وأعرف بباطن الحال وتسكن إليهم النفس فيطلعون على ما في ضمير كل من حب وبغض وإرادة وصحبة أو فرقة )67( وهذه األمور مما يساعد في نجاح مهمة الحكمين أما عند عدم األهل أو عدم من تنطبق عليه شروط الحكمين من األهل فيصار إلى غيرهم لقوله تعالى: )ال ي ك ل ف هللا ن ف س ا إ ال و س ع ه ا( البقرة: 286 وقوله: )ف ات ق وا هللا م ا اس ت ط ع ت م ( التغابن: 16 ولقول الرسول صلى هللا عليه وسلم: وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )68( ويجاب عما ذكره القائلون بحمل اآلية على االستحباب: بأن الوكالة والتحكيم فيما عدا الشقاق بين الزوجين لم يرد فيهما نص بأن يكونا من األهل بخالف التحكيم بين الزوجين الذي جاء فيه نص لمعنى يخصه وقد سبق بيانه وهللا أعلم. الشرط الثاني: اإلسالم ذهب الحنفية )69( المالكية )70( والشافعية )71( والحنابلة )72( إلى أنه يشترط في الحكمين اإلسالم فال يحكم غير المسلم في المسلم لما فيه من االستعالء عليه )73( وقد قال هللا تعالى: }و ل ن ي ج ع ل هللا ل ل ك اف ر ين ع ل ى ال م ؤ م ن ين س ب يال } النساء: 141 والتحكيم نوع سبيل وال شك )74(. فعلى هذا الشرط ال يجوز أن يكون أحد الحكمين كافرا إذا كان الزوجان مسلمين أما إذا كان الزوج مسلما والزوجة كتابية فال يجوز أيضا أن يكون الحكم الذي من أهلها كتابيا )75( ألن حكم الحكمين ينفذ على الزوجين معا وال يجوز أن يحكم الكافر على المسلم وهللا أعلم. )76( الشرط الثالث: العدالة العدالة مشترطة في الحكمين عند المالكية )77( والشافعية )78( والحنابلة )79( وصرح الماوردي بأنها مشترطة على القولين في الحكمين هل هما وكيالن أو حكمان وقد علل الماوردي رحمه هللا - الشتراط العدالة على كال القولين بقوله: والثالث أن يكونا عدلين فإن كانا أو أحدهما غير عدل لم يجز وإنما اعتبرنا هذه الشروط الثالثة على القولين مع ا ألنهما إن كانا حاكمين فال بد من اعتبار هذه الشروط في الحاكم وإن كانا وكيلين فقد اقترن بوكالتهما والية اختيار الحاكم لهما وال يصح فيمن رد الحاكم إليه نظر إال أن يكون بهذه الصفات أال ترى أن الحاكم لو أراد أن يرد النظر في مال يتيم إلى عبد أو فاسق لم يجز وإن جاز أن يكون وكيال )80( ونحوه قال ابن قدامة رحمه هللا: سواء قلنا هما حاكمان أو وكيالن ألن الوكيل إذا كان متعلقا بنظر الحاكم لم يجز أن يكون إال رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 171 2

12 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي ( عدال كما لو نصب وكيال لصبي أو مفلس )81(. وذهب الحنفية )82( إلى أن ما يشترط في القاضي يشترط في الحكم وأن العدالة ليست شرطا لتوليتهما بل هي شرط كمال قال الكاساني - رحمه هللا -: وكذا العدالة عندنا ليست بشرط لجواز التقليد لكنها شرط الكمال فيجوز تقليد الفاسق وتنفذ قضاياه إذا لم يجاوز فيها حد الشرع... لكن ال ينبغي أن يقلد الفاسق ألن القضاء أمانة عظيمة وهي أمانة األموال واألبضاع والنفوس فال يقوم بوفائها إال من كمل ورعه وتم تقواه إال أنه مع هذا لو قلد جاز التقليد في نفسه وصار قاضيا ألن الفساد لمعنى في غيره فال يمنع جواز تقليده القضاء في نفسه... ثم ما ذكرنا أنه شرط جواز التقليد فهو شرط جواز التحكيم )83(. والذي يظهر رجحانه اشتراط العدالة في الحكمين ألن ذلك ادعى للثقة فيهما من ق بل الزوجين وحتى يؤمن وقوع التقصير منهما في عملهما أو الجور في حكمهما وكل ذلك مما يساعد في نجاح مهمة الحكمين. وما اعتمد عليه الحنفية من قبول شهادة الفاسق فغير مسل م وهللا أعلم. الشرط الرابع: التكليف ذهب الحنفية )84( والمالكية )85( والشافعية )86( والحنابلة )87( إلى أنه يشترط في الحكمين البلوغ والعقل ولم أقف على خالف في هذا الشرط ويدل على هذا الشرط قول النبي صلى هللا عليه وسلم: رفع القلم عن ثالثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الغالم حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق )88(. الشرط الخامس: عدم السفه ذهب المالكية )89( إلى أنه يبطل حكم السفيه ولم أر ذكرا لهذا الشرط عند المذاهب األخرى فيما تيسر لي االطالع عليه. الشرط السادس: الذكورة ذهب المالكية )90( والحنابلة )91( إلى اشتراط الذكورة في الحكمين ألن التحكيم مفتقر إلى الرأي والنظر )92(. وقد اختلف الشافعية في هذا الشرط: فقال الماوردي والشيرازي رحمهما هللا - باشتراطه على القولين في الحكمين أي إن قلنا حكمان أو وكيالن قال الماوردي: أحدها أن يكونا رجلين فإن كانا أو أحدهما امرأة لم يجز... وإنما اعتبرنا هذه الشروط الثالثة على القولين مع ا ألنهما إن كانا حاكمين فال بد من اعتبار هذه الشروط في الحاكم وإن كانا وكيلين فقد اقترن بوكالتهما والية اختيار الحاكم لهما وال يصح فيمن رد الحاكم إليه نظر إال أن يكون بهذه الصفات أال ترى أن الحاكم لو أراد أن يرد النظر في مال يتيم إلى عبد أو فاسق لم يجز وإن جاز أن يكون وكيال )93(. وذكر النووي )94( والشربيني )95( رحمهما هللا - أن الذكورة تشترط على القول بأنهما حكمان وال تشترط على القول بأنهما وكيالن. وذهب الحنفية )96( إلى أن الحكم ال تشترط فيه الذكورة فيجوز تحكيم المرأة ألنها من أهل الشهادات في الجملة إال أنها ال تقضي بالحدود والقصاص ألنها ال شهادة لها في ذلك وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة )97(. الترجيح: يترجح للباحث اشتراط الذكورة في الحكمين وذلك بناء على ما ترجح لديه - كما سيأتي في المبحث الثالث - أن الحكمين حكمان ال وكيالن عن الزوجين والحكم تشترط فيه الذكورة وهللا 172 رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

13 د. محمد سليمان النور ( ) أعلم. الشرط السابع: المعرفة بأحكام الجمع والتفريق بين الزوجين ذهب المالكية )98( والشافعية )99( والحنابلة )100( إلى أنه يشترط في الحكمين أن يكونا عالمين بالجمع والتفريق بين الزوجين بتعبير ابن قدامة )101( أو االهتداء إلى المقصود بما بعثا له بتعبير الشربيني )102( أو العلم بأحكام النشوز بتعبير الخرشي )103( والدليل على هذا الشرط أن كل من ولي أمرا يشترط معرفته بما ولي عليه )104(. وذهب الحنفية )105( إلى أنه ال يشترط في الحكم العلم بالحالل والحرام وسائر األحكام بل ذلك من باب الندب واالستحباب. واختلف الشافعية في اشتراط االجتهاد في الحكمين: فقال النووي )106( والشربيني )107( - رحمهما )108( هللا - ال يشترط ذلك ويرى النووي أنه ال يشترط وإن قلنا هما حكمان. وخالفه الماوردي والشيرازي )109( - رحمهما هللا - فقاال: إن قلنا حكمان يشترط فيهما االجتهاد ألن الحكم ال ينفذ إال من مجتهد وإن قلنا وكيالن ال يشترط فيهما ألن االجتهاد ليس من شروط الوكيل. وهذا االختالف موجود في مذهب الحنابلة )110( أيضا. ويظهر للباحث أنه ال يشترط االجتهاد في الحكمين حتى لو قلنا هما حكمان وليس وكيلين طالما كانا عارفين بأحكام الجمع والتفريق بين الزوجين التي يحتاجان إليها في التحكيم أما االجتهاد فال حاجة لهما به في أمر التحكيم فال مسوغ الشتراطه وهللا أعلم. الشرط الثامن: رضا الزوجين بالحكمين اشتراط رضا الزوجين بالحكمين مبني على صفة الحكمين هل هما حكمان أو وكيالن عن الزوجين فعلى القول بأنهما حكمان تتم واليتهما بتقليد الحاكم لهما وال يعتبر فيهما إذن الزوجين وال رضاهما وعلى القول بأنهما وكيالن عن الزوجين ال تتم واليتهما إال بتوكيل الزوجين ورضاهما )111(. والذي ترجح للباحث في الحكمين كما سيأتي أن لهما التفريق بين الزوجين بدون رضاهما فهما حكمان وليس وكيلين فبناء عليه يترجح أنه ال يشترط رضا الزوجين بهما وهللا أعلم. شروط أخرى عند الحنفية: وتجدر اإلشارة إلى أن الحنفية اشترطوا في الحكم شروطا أخرى وهي البصر والنطق وأال يكون محدودا في قذف قال الكاساني رحمه هللا: فنقول الصالحية للقضاء لها شرائط... ومنها البصر ومنها النطق فال يجوز تقليد المجنون والصبي والكافر والعبد واألعمى واألخرس والمحدود في القذف ألن القضاء من باب الوالية بل هو أعظم الواليات وهؤالء ليست لهم أهلية أدنى الواليات وهي الشهادة فألن ال يكون لهم أهلية أعالها أولى... ثم ما ذكرنا أنه شرط جواز التقليد فهو شرط جواز التحكيم. ولم أر ذكرا لهذه الشروط في الحكمين عند المذاهب األخرى فيما تيسر لي االطالع عليه. موقف قانون األحوال الشخصية اإلماراتي من شروط الحكمين ألزم القانون القاضي بتعيين الحكمين من أهل الزوجين إن أمكن وإال فمن غيرهم وقد جاء ذلك في المادة )118( الفقرة رقم )1(: إذا لم يثبت الضرر واستمر الشقاق بين الزوجين وتعذر على لجنة التوجيه األسري والقاضي اإلصالح بينهما عين القاضي بحكم حكمين من أهليهما إن أمكن بعد أن يكلف كال من الزوجين تسمية حكم من أهله قدر اإلمكان في الجلسة التالية على األكثر وإال فيمن يتوسم فيه الخبرة والقدرة على اإلصالح إذا تقاعس أحد الزوجين عن تسمية رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 173 2

14 174 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي ( حكمه أو تخلف عن حضور هذه الجلسة ويكون هذا الحكم غير قابل للطعن فيه. وقد أخذ القانون اإلماراتي في هذا الشرط بمذهب المالكية وهو القول الذي رجحه الباحث ومن القوانين التي اتفق معها القانون اإلماراتي في هذا: القانون المصري: القانون رقم )100( لسنة 1985 م الذي جاء تعديال لبعض مواد القانون رقم )25( لسنة 1929 م المادة رقم )7(: يشترط في الحكمين أن يكونا عدلين من أهل الزوجين إن أمكن وإال فمن غيرهم ممن لهم خبرة بحالهما وقدرة على اإلصالح بينهما )112(. قانون األحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم )59( بتاريخ 1953 م 9/ 7/ والمعدل بالقانون رقم )34( الصادر بتاريخ 1975 م 12/ 31/ المادة )112(: عين القاضي حكمين من أهل الزوجين وإال ممن يرى القاضي فيه قدرة على اإلصالح بينهما... )113(. قانون األحوال الشخصية األردني: القانون رقم )61( لسنة 1976 م في المادة )132(: ج - يشترط في الحكمين أن يكونا رجلين عدلين قادرين على اإلصالح وأن يكون أحدهما من أهل الزوجة واآلخر من أهل الزوج إن أمكن وإن لم يتيسر ذلك حكم القاضي رجلين من ذوي الخبرة والعدالة والقدرة على اإلصالح )114(. قانون األحوال الشخصية الكويتي: القانون رقم )51( لسنة 1984 م في المادة )128(: يشترط في الحكمين أن يكونا عدلين من أهل الزوجين إن أمكن وإال من غيرهم ممن يتوافر فيهم حسن التفهم والقدرة على اإلصالح )115(. قانون األحوال الشخصية السوداني للمسلمين لسنة 1991 م )قانون رقم 42 لسنة 1991 م( المادة )163( الفقرة رقم )1(: إذا لم يثبت الضرر واستمر الشقاق بين الزوجين وتعذر اإلصالح وعادت الزوجة بعد ثالثة أشهر لطلب التطليق فيعين القاضي حكمين من أهلهما إن أمكن وإال فممن يتوسم فيهما القدرة على اإلصالح )116(. مع مالحظة أن القانون اإلماراتي لم يتطرق لذكر الشروط األخرى التي اشترطها الفقهاء في الحكمين كما لم تتطرق لذلك المذكرة اإليضاحية لهذا القانون )117( وكان األولى نص القانون على الشروط المتفق عليها بين الفقهاء ألهميتها وكذلك يبين موقفه من الشروط المختلف فيها. المبحث الثالث مهمة الحكمين على الحكمين البداية باإلصالح بين الزوجين بعد تعرف أسباب النزاع بينهما وال يعدالن عن اإلصالح إلى غيره ما دام ممكنا )118( وقد قال هللا تعالى: )إ ن ي ر يد ا إ ص ال ح ا ي و ف ق هللا ب ي ن ه م ا( وأجمع العلماء على أن قول الحكمين في الجمع بين الزوجين نافذ بغير توكيل منهما )119(. أما إذا لم يتمكنا من اإلصالح بين الزوجين فقد اختلف الفقهاء في قيام الحكمين بالتفريق بين الزوجين على النحو اآلتي: )122( القول األول: ذهب الحنفية )120( وهو أظهر القولين عند الشافعية )121( والصحيح عند الحنابلة إلى أن مهمة الحكمين اإلصالح ليس غير وإذا عجزا عن اإلصالح ليس لهما التفريق إال إذا كان الزوجان فوضاهما في ذلك فيكونان حينئذ وكيلين عنهما في التفريق. القول الثاني: ذهب المالكية )123( وهو قول للشافعية )124( ورواية عن اإلمام أحمد )125( إلى أن الحكمين لهما فعل ما فيه المصلحة من جمع أو تفريق بين الزوجين بطالق أو خلع وال يشترط رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

15 د. محمد سليمان النور ( ) رضا الزوجين بالتفريق فهما حكمان وليسا وكيلين عن الزوجين. وللمالكية تفصيل في التفريق حكاه الخرشي - رحمه هللا بقوله: فإن كانت اإلساءة من الزوج طلقا عليه بال شيء يأخذانه منها له من صداق وال غيره وإن كانت اإلساءة منها ائتمناه عليها بمعنى أنهما يجعالنه أمينا عليها بالعدل وحسن العشرة وإن رأيا أن يأخذا له منها شيئا ويوقعا الفراق بينهما فعال إن كان ذلك نظرا وسدادا, ولو كان ما أخذاه منها له أكثر من صداقها وإن كانت اإلساءة منهما معا فهل يتعين عند العجز عن اإلصالح الطالق بال عوض منها أو لهما أن يخالعا بالنظر على شيء يسير منها له وعلى هذا أكثر األشياخ تأويالن )126(. األدلة على أن الحكمين ليس لهما التفريق إال إذا فوض إليهما الزوجان ذلك الدليل األول: قوله تعالى في شأن الحكمين: )إ ن ي ر يد ا إ ص ال ح ا ي و ف ق هللا ب ي ن ه م ا( النساء: 35 في فحوى اآلية ما يدل على أنه ليس للحكمين أن يفرقا وهو قوله تعالى: )إ ن ي ر يد ا إ ص ال ح ا ي و ف ق هللا ب ي ن ه م ا( ولم يقل إن يريدا فرقة )127(. الدليل الثاني: عن علي - رضي هللا عنه - في هذه اآلية }و إ ن خ ف ت م ش ق اق ب ي ن ه م ا ف اب ع ث وا ح ك م ا م ن أ ه ل ه و ح ك م ا م ن أ ه ل ه ا{ ثم قال للحكمين: هل تدريان ما عليكما عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا. قالت المرأة رضيت بكتاب هللا بما علي فيه ولي. وقال الرجل أما الفرقة فال. فقال علي - رضي هللا عنه -: كذبت وهللا حتى تقر بمثل الذي أقرت به )128(. وجه الداللة من األثر: قال الشافعي رحمه هللا: فقول علي - رضي هللا عنه - يدل على ما وصفت من أن ليس للحاكم أن يبعث حكمين دون رضا المرأة والرجل بحكمهما وعلى أن الحكمين إنما هما وكيالن للرجل والمرأة بالنظر بينهما في الجمع والفرقة فإن قال قائل: ما دل على ذلك قلنا: لو كان الحكم إلى علي - رضي هللا عنه - دون الرجل والمرأة بعث هو حكمين ولم يقل ابعثوا حكمين فإن قال قائل: فقد يحتمل أن يقول ابعثوا حكمين فيجوز حكمهما بتسمية هللا إياهما حكمين كما يجوز حكم الحاكم الذي يصيره اإلمام فمن سماه هللا تبارك وتعالى حاكما أكثر معنى أو يكونا كالشاهدين إذا رفعا شيئا إلى اإلمام أنفذه عليهما أو يقول: ابعثوا حكمين أي دلوني منكم على حكمين صالحين كما تدلوني على تعديل الشهود. قلنا: الظاهر ما وصفنا والذي يمنعنا من أن نحيله عنه مع ظهوره أن قول علي - رضي هللا عنه - للزوج كذبت وهللا حتى تقر بمثل الذي أقرت به يدل على أنه ليس للحكمين أن يحكما إال بأن يفوض الزوجان ذلك إليهما وذلك أن المرأة فوضت وامتنع الزوج من تفويض الطالق فقال علي - رضي هللا عنه - كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به يذهب إلى أنه إن لم يقر لم يلزمه الطالق وإن رأياه ولو كان يلزمه طالق بأمر الحاكم أو تفويض المرأة لقال له )129( ال أبالي أقررت أم سكت وأمر الحكمين أن يحكما بما رأيا الدليل الثالث: ألن البضع حقه والمال حقها وهما رشيدان فال يجوز لغيرهما التصرف فيه إال بوكالة منهما أو والية عليهما )130(. مناقشة هذا الدليل: وال يمتنع أن تثبت الوالية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كما يقضي الدين عنه من ماله إذا رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 175 2

16 176 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي ( امتنع ويطلق الحاكم على المولي إذا امتنع )131(. الجواب عن هذه المناقشة: غير جائز لهما أن يطلقا امرأة الغير بغير إذنه وال أن يدفعا ماال بغير إذن صاحبه بخالف قضاء دينه إذا امتنع منه ألن ذلك إيصال الحق إلى مستحقه وال للزوج حق في مالها قال تعالى: )ي ا أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا ال ت أ ك ل وا أ م و ال ك م ب ي ن ك م ب ال ب اط ل إ ال أ ن ت ك ون ت ج ار ة ع ن ت ر اض م ن ك م ( النساء: 29 وقال عليه الصالة والسالم: ال يحل مال امرئ مسلم إال بطيب من نفسه )132( والحكمان إنما بعثا للصلح وليعلما ظلم الظالم منهما فينكرا عليه ظلمه فإذا لم يقبل أعلما الحاكم ليدفع ظلمه فالحكمان شاهدان في حال ومصلحان في حال إذا فوض األمر إليهما )133(. الدليل الرابع: ليس للحكمين أن يفرقا إال برضا الزوجين ألن الحاكم ال يملك ذلك فكيف يملكه الحكمان )134(. األدلة على أن الحكمين لهما التفريق بين الزوجين بغير رضاهما الدليل األول: قول هللا تعالى: }ف اب ع ث وا ح ك م ا م ن أ ه ل ه و ح ك م ا م ن أ ه ل ه ا{ فسماهما حكمين ولم يعتبر رضا الزوجين ثم قال: }إ ن ي ر يد ا إ ص ال ح ا{ فخاطب الحكمين بذلك )135(. الدليل الثاني: روى أبو بكر بإسناده عن عبيدة السلماني أن رجال وامرأة أتيا عليا مع كل واحد منهما فئام من الناس فقال علي - رضي هللا عنه -: اب ع ث وا ح ك م ا م ن أ ه ل ه و ح ك م ا م ن أ ه ل ه ا فبعثوا حكمين ثم قال علي للحكمين: هل تدريان ما عليكما من الحق عليكما من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما. فقالت المرأة: رضيت بكتاب هللا علي ولي. فقال الرجل: أما الفرقة فال. فقال علي: كذبت حتى ترضى بما رضيت به )136(. وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك )137(. الدليل الثالث: يروى أن عقيال تزوج فاطمة بنت عتبة فتخاصما فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان فبعث حكما من أهله: عبد هللا بن عباس وحكما من أهلها: معاوية فقال ابن عباس: ألفرقن بينهما. وقال معاوية: ما كنت ألفرق بين شيخين من بني عبد مناف. فلما بلغا الباب كانا قد أغلقا الباب واصطلحا )138(. الدليل الرابع: لو كانا وكيلين لم يختصا بأن يكونا من األهل وأيضا فإنه جعل الحكم إليهما فقال: )إ ن ي ر يد ا إ ص ال ح ا ي و ف ق هللا ب ي ن ه م ا( والوكيالن ال إرادة لهما وإنما يتصرفان بإرادة موكليهما )139(. الدليل الخامس: الوكيل ال يسمى حكما في لغة القرآن وال في لسان الشارع وال في العرف العام وال الخاص )140(. الترجيح: والذي يظهر للباحث أن الحكمين في الشقاق بين الزوجين لهما التفريق بين الزوجين دون رضاهما وأنهما حكمان ال وكيلين ويرجح هذا القول إلى جانب قوة أدلته أن اعتبارهما حكمين يجعل التحكيم بين الزوجين قادرا على إنهاء شقاقهما بصورة نهائية إما بالصلح وإما بالتفريق إن تعذر الصلح بدون حاجة إلى رضاهما أو توكيلهما وهللا أعلم. موقف قانون األحوال الشخصية اإلماراتي من مهمة الحكمين رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

17 د. محمد سليمان النور ( ) بي ن القانون مهمة الحكمين وما يتعلق بها في الفقرة الثانية من المادة )118( والمواد )119( إلى )121( وفيما يلي نصوصها: المادة )118( الفقرة الثانية: ويجب أن يشتمل حكم تعيين حكمين على تاريخ بدء المهمة وانتهائها على أال تجاوز مدة تسعين يوما ويجوز مدها بقرار من المحكمة وتعلن المحكمة الحكمين والخصوم بحكم تعيين الحكمين وعليها تحليف كل من الحكمين اليمين بأن يقوم بمهمته بعدل وأمانة. المادة )119(: على الحكمين تقصي أسباب الشقاق وبذل الجهد لإلصالح بين الزوجين وال يؤثر في سير عمل الحكمين امتناع أحد الزوجين عن حضور جلسة التحكيم متى تم إعالنه بالجلسة المحددة أو الجلسات الالحقة إن حصل انقطاع بينهما. المادة )120(: إذا عجز الحكمان عن اإلصالح: 1- فإن كانت اإلساءة كلها من جانب الزوج والزوجة هي طالبة التفريق أو كان كل منهما طالبا قرر الحكمان التفريق بطلقة بائنة دون مساس بشيء من الحقوق الزوجية المترتبة على الزواج والطالق. 2- إذا كانت اإلساءة كلها من جانب الزوجة قررا التفريق نظير بدل مناسب يقدرانه تدفعه الزوجة. 3- إذا كانت اإلساءة مشتركة قررا التفريق دون بدل أو ببدل يتناسب مع نسبة اإلساءة. 4- إن جهل الحال فلم يعرف المسيء منهما فإن كان الزوج هو الطالب اقترح الحكمان رفض دعواه وإن كانت الزوجة هي الطالبة أو كان كل منهما طالب ا التفريق قرر الحكمان التفريق بينهما دون بدل. المادة )121(: 1- يقدم الحكمان إلى القاضي قرارهما مسبب ا متضمنا مدى إساءة كل من الزوجين أو أحدهما إلى اآلخر. 2- يحكم القاضي بمقتضى حكم الحكمين إن اتفقا فإن اختلفا عين القاضي غيرهما أو ضم إليهما حكما ثالث ا يرجح أحد الرأيين وتحلف المحكمة الحكم الجديد أو المرجح اليمين بأن يقوم بمهمته بعدل وأمانه. 3- على القاضي تعديل حكم الحكمين فيما خالف أحكام هذا القانون. وبالنظر في هذه المواد يتبين ما يلي: أوال: جعل القانون اإلماراتي مهمة الحكمين العمل أوال على اإلصالح بين الزوجين بعد تقصي أسباب النزاع وإن تعذر اإلصالح لهما التفريق بين الزوجين بدون تفويض منهما في ذلك وهو بهذا جعلهما حكمين وليس وكيلين موافقا بذلك لمذهب المالكية وقول للشافعية ورواية عن اإلمام أحمد والقوانين اآلتية: قانون األحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم )59( بتاريخ 1953 م 9/ 7/ والمعدل بالقانون رقم )34( الصادر بتاريخ 1975 م 12/ 31/ المادة )114(: 1 - يبذل الحكمان جهدهما في اإلصالح بين الزوجين فإذا عجزا عنه وكانت اإلساءة أو أكثرها من الزوج قررا التفريق بطلقة بائنة. - 2 وإن كانت اإلساءة أو أكثرها من الزوجة أو مشتركة بينهما قررا رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 177 2

18 178 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي ( التفريق بين الزوجين على تمام المهر أو على قسم منه يتناسب ومدى اإلساءة )141(. قانون األحوال الشخصية األردني: القانون رقم )61( لسنة 1976 م المادة )132(: د - يبحث الحكمان أسباب الخالف والنزاع بين الزوجين معهما أو مع جيرانهما أو مع أي شخص يرى الحكمان فائدة في بحثها معه وعليهما أن يدونا تحقيقاتهما بمحضر ي وقع عليه فإذا رأيا إمكان التوفيق واإلصالح على طريقة مرضية أقراها. ه - إذا عجز الحكمان عن اإلصالح وظهر لهما أن اإلساءة جميعها من الزوجة قررا التفريق بينهما على العوض الذي يريانه على أنه ال يقل عن المهر وتوابعه وإذا كانت اإلساءة كلها من الزوج قررا التفريق بينهما بطلقة بائنة على أن للزوجة أن تطالبه بسائر حقوقها الزوجية كما لو طلقها بنفسه. و- إذا ظهر للحكمين أن اإلساءة من الزوجين قررا التفريق بينهما على قسم من المهر بنسبة إساءة كل منهما وإن جهل الحال ولم يتمكنا من تقدير نسبة اإلساءة قررا التفريق بينهما على العوض الذي يريان أخذه من أيهما. ط - على الحكمين رفع التقرير إلى القاضي بالنتيجة التي توصال إليها وعلى القاضي أن يحكم بمقتضاه إذا كان موافقا ألحكام هذه المادة )142(. قانون األحوال الشخصية الكويتي: القانون رقم )51( لسنة 1984 م المادة )129( ونصها: على الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق ويبذال جهدهما في اإلصالح بين الزوجين بأي طريقة ممكنة والمادة )130( إذا عجز الحكمان عن اإلصالح: )أ( - فإن تبين أن اإلساءة كلها من الزوج وكانت الزوجة طالبة التفريق اقترح الحكمان التفريق وإلزامه جميع الحقوق المترتبة على الزواج والطالق. وإن كان الزوج طالبا للتفريق اقترح الحكمان رفض دعواه. )ب( - وإن كانت اإلساءة كلها من الزوجة اقترحا التفريق بين الزوجين نظير رد ما قبضته من المهر وسقوط جميع حقوقها المالية المترتبة على الزواج والطالق. )ج( - وإن كانت اإلساءة مشتركة اقترحا التفريق دون عوض أو بعوض يتناسب مع اإلساءة. )د( - وإن لم يعرف المسيء من الزوجين: فإن كان طالب التفريق هو الزوج اقترحا رفض دعواه وإن كانت الزوجة هي الطالبة أو كان كل منهما يطلب التفريق اقترح الحكمان التفريق دون عوض. )ه( - التفريق للضرر يقع طلقة بائنة والمادة )131(: )أ( - على الحكمين أن يرفعا إلى المحكمة تقريرهما مفصال وللقاضي أن يحكم بمقتضاه إذا كان موافقا ألحكام المادة السابقة )143(. قانون األحوال الشخصية السوداني للمسلمين لسنة 1991 م )قانون رقم 42 لسنة 1991 م( المادة )164(: 1 - يجب على الحكمين تقصي أسباب الشقاق وبذل الجهد لإلصالح بين الزوجين والمادة )167(: إذا تعذر الصلح واستمر الشقاق بين الزوجين فيحكم القاضي بالتطليق استنادا إلى تقرير التحكيم مع مراعاة أحكام المادة )164( والمادة )168(: إذا حكم القاضي بتطليق المدخول بها للضرر أو الشقاق وكانت اإلساءة كلها أو أكثرها من الزوجة فتطلق بما يقدره الحكمان وإذا كانت اإلساءة كلها أو أكثرها من الزوج أو كانت منهما أو جهل الحال فتطلق بال مال )144(. ثانيا: أخذ القانون بمذهب المالكية القائل بأنه إذا بان للحكمين أن الضرر من الزوج حكما بالفرقة دون عوض وإن كان من الزوجة فرقا بينهما بعوض تدفعه الزوجة ويفرقان بينهما بطلقة واحدة بائنة والقانون اإلماراتي في هذا موافق في الجملة للقوانين السابق ذكرها في البند: )أوال(. ثالثا: ألزم القانون اإلماراتي القاضي العمل بمقتضى قرار الحكمين حين اتفاقهما وهذا ما صرح به المالكية )145( مع مالحظة أن القانون ألزم القاضي بتعديل ما يخالف القانون من قرار الحكمين رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2

19 د. محمد سليمان النور ( ) ليكون متوافقا مع أحكامه. أما إذا اختلف الحكمان فقد خي ر القانون القاضي بين بعث حكمين آخرين أو ضم حكم ثالث للحكمين المختلفين ليكون مرجحا ألحد الرأيين. وبعث حكمين آخرين هو الحكم الذي وقفت عليه عند الشافعية )146( ولم أقف على قول بضم حكم ثالث فيما تيسر لي االطالع عليه من كتب الفقهاء كما لم تنسب المذكرة اإليضاحية للقانون )147( هذا القول ألحد من الفقهاء ويقول أحمد الغندور في التعليل لهذا االجتهاد: ودلت الحوادث على أن كل حكم يميل إلى صاحبه غالبا وقلما يتفقان فإذا أمرهما القاضي بمعاودة البحث عند االختالف أصر كل واحد منهما على موقفه وإن ندب غيرهما اتبع الحكمان الجديدان سبيل األولين وهكذا يطول التحكيم وأمد الخصومة دون الوصول إلى نتيجة فرئي أن الخير في أن تختار المحكمة حكما ثالثا مرجحا من غير أهل الزوجين تبعثه مع الحكمين عند اختالفهما وتقضي بما يتفقون عليه أو برأي األكثر. وتنظيم التحكيم على هذا الوجه ال يخالف أصال من أصول الشريعة فإن اآلية الكريمة لم تنه عن الزيادة في عدد الحكمين فمتى تبين أنها الزمة في هذا العصر إلمكان الحسم وإظهار الحق من الباطل ورفع الضرر تعين األخذ بها )148(. هذا ومن القوانين التي أخذت بمبدأ جواز ضم حكم ثالث: القانون المصري: القانون رقم )100( لسنة 1985 م الذي جاء تعديال لبعض مواد القانون رقم )25( لسنة 1929 م المادة رقم )11(: على الحكمين أن يرفعا تقريرهما إلى المحكمة مشتمال على األسباب التي بني عليها فإن لم يتفقا بعثتهما مع ثالث له خبرة بالحال وقدرة على اإلصالح وحلفته اليمين المبينة في المادة )8( )149(. قانون األحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم )59( بتاريخ 9/ 7/ 1953 م والمعدل بالقانون رقم )34( الصادر بتاريخ 1975 م 12/ 31/ المادة )114(: 4 - إذا اختلف الحكمان حكم القاضي غيرهما أو ضم إليهما حكما ثالثا مرجحا وحلفه اليمين )150(. قانون األحوال الشخصية األردني: القانون رقم )61( لسنة 1976 م المادة )132(: ح - إذا اختلف الحكمان حكم القاضي غيرهما أو ضم إليهما ثالثا مرجحا وفي هذه الحالة األخيرة يؤخذ بقرار األغلبية )151(. قانون األحوال الشخصية الكويتي: القانون رقم )51( لسنة 1984 م المادة )131(: ب - وإذا اختلف الحكمان ضمت المحكمة إليهما حكما ثالثا مرجحا من غير أهل الزوجين قادرا على اإلصالح والمادة )132(: يرفع المحكمون الثالثة تقريرهم باالتفاق أو باألكثرية إلى المحكمة لتفصل في الدعوى وفق المادة )130( )152(. قانون األحوال الشخصية السوداني للمسلمين لسنة 1991 م )قانون رقم 42 لسنة 1991 م( المادة )166(: إذا اختلف الحكمان فيعين القاضي غيرهما أو يضم إليهما حكما ثالثا ويحلفه اليمين )153(. رابعا: حدد القانون اإلماراتي مدة ال يتجاوزها الحكمان وهي تسعون يوما مع جواز مدها بقرار من المحكمة وهذا التحديد للمدة لم يتطرق له الفقهاء فيما تيسر لي االطالع عليه ويظهر أن المقصود به ضمان سرعة إنهاء الشقاق بين الزوجين عن طريق التحكيم حتى ال يتضرر بطول أمده الزوجان واألبناء إن وجدوا فيكون ذلك مشروعا لكونه وسيلة ألمر مشروع وهو اإلسراع في دفع الضرر وهللا أعلم. رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 179 2

20 التحكيم بين الزوجين في الفقه اإلسالمي وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي ( الخاتمة أهم نتائج البحث: أوال: التحكيم بين الزوجين هو: بعث القاضي حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة عند حدوث الشقاق بينهما إذا لم يتبين له المخطئ منهما ليقوم الحكمان أوال باإلصالح بين الزوجين فإن لم يتمكنا يفرقان بينهما. هذا ولم يتطرق قانون األحوال الشخصية اإلماراتي وال مذكرته اإليضاحية لتعريف التحكيم بين الزوجين وهذا ما سارت عليه قوانين األحوال الشخصية في بعض البالد العربية. ثانيا: يجب التحكيم بين الزوجين في الحال الذي يقتضيه وهو وقوع الشقاق بينهما وعدم تبين القاضي للمخطئ منهما وهو ما أخذ به قانون األحوال الشخصية اإلماراتي وقوانين األحوال الشخصية في بالد عربية عديدة. ثالثا: القاضي هو من يقوم ببعث الحكمين وقد أخذ القانون اإلماراتي بهذا وهو متفق في ذلك مع قوانين األحوال الشخصية في عدة بالد عربية. رابعا: عدد المحكمين اثنان وال يكتفى بمحكم واحد وهو ما أخذ به القانون اإلماراتي وقوانين األحوال الشخصية في بالد عربية أخرى. خامسا: يشترط في الحكمين التكليف واإلسالم والعدالة والذكورة ويجب أن يكونا من أهل الزوجين إن كان ذلك ممكنا وال يشترط بلوغهما رتبة االجتهاد طالما كانا عارفين بأحكام الجمع والتفريق بين الزوجين التي يحتاجان إليها في التحكيم وال يشترط رضا الزوجين بهما. وقد ذكر القانون اإلماراتي شرطا واحدا للمحكمين وهو أن يكونا من أهل الزوجين إن أمكن وإال فمن غيرهم وأغفل هذا القانون ومذكرته اإليضاحية ذكر باقي الشروط وكان األولى نص القانون على الشروط المتفق عليها بين الفقهاء ألهميتها وكذلك تبيين موقفه من الشروط المختلف فيها. سادسا: اتفق الفقهاء على أن الحكمين عليهما البداية باإلصالح بين الزوجين بعد تعرف أسباب النزاع بينهما وأال يعدال عنه إلى غيره ما دام ممكنا أما إذا لم يتمكنا من اإلصالح فقد اختلف الفقهاء في هل هما حكمان لهما التفريق بين الزوجين بدون تفويض منهما في ذلك أو ليس لهما التفريق إال بتفويض من الزوجين فهما وكيالن عنهما في التفريق وترجح للباحث أن لهما الحكم بالتفريق بدون تفويض من الزوجين وهو ما أخذ به القانون اإلماراتي وعدد من قوانين األحوال الشخصية في البالد العربية. سابعا: أخذ القانون اإلماراتي بمذهب المالكية القائل بأنه إذا بان للحكمين أن الضرر من الزوج حكما بالفرقة دون عوض وإن كان من الزوجة فرقا بينهما بعوض تدفعه الزوجة ويفرقان بينهما بطلقة واحدة بائنة والقانون اإلماراتي في هذا موافق في الجملة لعدد من قوانين األحوال الشخصية في البالد العربية. ثامنا: عند اختالف الحكمين خي ر القانون اإلماراتي القاضي بين بعث حكمين آخرين أو ضم حكم ثالث للحكمين المختلفين ليكون مرجحا ألحد الرأيين. والقول بضم حكم ثالث اجتهاد معاصر أخذت به بعض قوانين األحوال الشخصية في البالد العربية تفاديا للتطويل الذي قد ينجم من بعث حكمين آخرين. تاسعا: حدد القانون اإلماراتي مدة يتم خاللها إجراء التحكيم والباحث يرى صحة ذلك حتى ال 180 رجب 1433 ه يونيو 2012 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية المجلد 9 عدد 2